الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ وَكَذَا كَبِيرٌ إلَّا لِحَاجَةٍ فَوَاحِدَةً، وَلَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَجَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ، لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَعَيَّنَ امْرَأَةً لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا، وَيَنْكِحْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَلَوْ قَالَ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَا يُزَوَّجُ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ (مَجْنُونٌ) وَلَا مُخْتَلٌّ وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَلَلٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا مُبَرْسَمٌ (صَغِيرٌ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَدْرِي كَيْفَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَاجَتُهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَكَذَا) لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ وَمُخْتَلٌّ مُبَرْسَمٌ (كَبِيرٌ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلَهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) لِلنِّكَاحِ حَاصِلَةٍ حَالًا كَأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ مَآلًا كَتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِاسْتِفْرَاغِ مَائِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ أَوْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ وَلَا يَجِدُ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَحْصُلَ بِهِ ذَلِكَ، وَتَكُونُ مُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفَّ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ، وَتَقَدَّمَ اسْتِشْكَالُ الرَّافِعِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (فَوَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ يُزَوِّجُهُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ السُّلْطَانُ دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَاحِدَةً، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ فَوَاحِدَةٌ يَتَزَوَّجُهَا تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُعَضِّدُهُ نَصُّ الْأُمِّ، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ فِي الْوَصَايَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ وَالسَّفِيهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. قَالَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ، كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّفِيهِ، وَقَدْ لَا تَكْفِي الْوَاحِدَةُ أَيْضًا لِلْخِدْمَةِ فَيُزَادُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، هَذَا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ جُنَّ بُنِيَ عَلَى عَوْدِ الْوِلَايَةِ إلَى الْأَبِ إنْ قُلْنَا: تَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَوَّجَهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لَمْ يُزَوَّجْ حَتَّى يُفِيقَ وَيَأْذَنَ، وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، فَلَوْ جُنَّ قَبْلَهُ بَطَلَ إذْنُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الْأَقْرَبِ فِي تَزْوِيجِ السُّلْطَانِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَجْنُونَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ مَعَ مَزِيدِ بَيَانٍ (وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَا وَصِيٍّ وَقَاضٍ (تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ) غَيْرِ مَمْسُوحٍ (أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) وَلَوْ أَرْبَعًا إنْ رَآهُ الْوَلِيُّ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ. أَمَّا الصَّغِيرُ الْمَمْسُوحُ فَفِي تَزْوِيجِهِ الْخِلَافُ فِي الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ (وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ) لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى لَهَا حَالَةٌ تُسْتَأْذَنُ فِيهَا وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِي الْجُمْلَةِ (إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ) فِي تَزْوِيجِهَا (وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ) قَطْعًا لِإِفَادَتِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (وَسَوَاءٌ) فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ (صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ) جُنَّتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ مُحْتَاجَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَجْنُونَةِ (أَبٌ أَوْ جَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا)؛ إذْ لَا إجْبَارَ لِغَيْرِهِمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا فِي الْحَالِ (فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ كَمَا يَلِي مِنْ مَالِهَا لَكِنْ بِمُرَاجَعَةِ أَقَارِبِهَا نَدْبًا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَمِنْ هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُرَاجِعُ الْجَمِيعَ حَتَّى الْأَخَ وَالْعَمَّ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْمُرَاجَعَةُ. قَالَ: وَعَلَيْهِ يُرَاجِعُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُونٌ، وَالثَّانِي: يُزَوِّجُهَا الْقَرِيبُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ إذْنِهَا وَتُزَوَّجُ (لِلْحَاجَةِ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ عَلَامَةِ شَهْوَتِهَا أَوْ تَوَقُّعِ شِفَائِهَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا يَقَعُ إجْبَارًا، وَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ (لَا لِمَصْلَحَةٍ) كَتَوَفُّرِ الْمُؤَنِ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: نَعَمْ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَهَا كَالْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا (وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ) حِسًّا (بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ، أَوْ حُكْمًا كَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ (لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ) لِئَلَّا يَفْنَى مَالُهُ فِي مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْوَلِيِّ كَمَا قَالَ (بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَالِهِ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِذْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهَلْ كَانَ نِكَاحُهُ كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجْرِ حِفْظُ مَالِهِ دُونَ نِكَاحِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ فِي الْأَمْوَالِ بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِ إذْنٍ بِالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ. أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُسَمَّى أَيْضًا سَفِيهًا مُهْمَلًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ظُهُورُ الْأَمَارَةِ لَا قَوْلُهُ أَنَا مُحْتَاجٌ (أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَالْإِذْنِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوَّجُ لِحَاجَةِ النِّكَاحِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ إنْ بَلَغَ سَفِيهًا، وَالْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبَهُ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ السَّفَهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلِي التَّزْوِيجَ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ، لَكِنْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا بِأَنَّهُ يَلِي التَّزْوِيجَ بَعْدَ الْجَدِّ قَبْلَ الْحَاكِمِ، وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ثَمَّ، وَصَحَّحَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ نَصٍّ بَلْ نَصُّهُ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ مَحْمُولٌ عَلَى وَصِيٍّ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّزْوِيجُ (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ الْوَلِيُّ (وَعَيَّنَ امْرَأَةً) بِشَخْصِهَا أَوْ نَوْعِهَا كَتَزَوَّجْ فُلَانَةَ أَوْ مِنْ بَنِي فُلَانٍ (لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا) لِأَنَّ الْإِذْنَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا يَنْكِحُ غَيْرَهَا وَإِنْ سَاوَتْهَا فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَحِقَهُ مَغَارِمُ فِيهَا. أَمَّا لَوْ كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الْمُعَيَّنَةِ نَسَبًا وَجَمَالًا وَدِينًا وَدُونَهَا مَهْرًا وَنَفَقَةً، فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَهْرًا فَنَكَحَ بِدُونِهِ. ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) ل (يَنْكِحُهَا) أَيْ الْمُعَيَّنَةَ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا (أَوْ أَقَلَّ) لِأَنَّهُ حَصَلَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا (فَإِنْ زَادَ) عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مُخْرَجٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِلْمُخَالَفَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ (مِنْ الْمُسَمَّى) الْمُعَيَّنِ مِمَّا عَيَّنَهُ الْوَلِيُّ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَمْهِرْ مِنْ هَذَا فَأَمْهَرَ مِنْهُ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ سَفِيهٍ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ: أَيْ فِي الذِّمَّةِ. ا هـ. وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ الطِّفْلُ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ فَقَصَرَ الْإِلْغَاءُ عَلَى الزَّائِدِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ الْوَلِيُّ (انْكِحْ بِأَلْفٍ) فَقَطْ (وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً) وَلَا قَبِيلَةً (نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ مَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ مَمْنُوعَةٌ، فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَغَا الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رَشِيدَةٍ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى دُونَ غَيْرِهَا، وَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بَطَلَ إنْ كَانَ الْأَلْفُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إذْ لَا إذْنَ فِي الزَّائِدِ وَالرَّدُّ لِلْقَدْرِ يَضُرُّ بِهَا، وَالْأَصَحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ نُظِرَتْ إنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ صَحَّ بِالْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا فَبِالْمُسَمَّى (وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ) بِأَنْ قَالَ: انْكِحْ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً وَلَا قَدْرًا (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ (صِحَّتُهُ) كَمَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقَبِيلَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَنْكِحَ شَرِيفَةً فَيَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ، وَدَفَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ (مَنْ تَلِيقُ بِهِ) فَلَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهَلْ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ يَسْتَغْرِقُ مَهْرُهَا مَالَهُ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي أَوَائِلِ الصَّدَاقِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. ا هـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْمَجْنُونِ لِاسْتِوَائِهِ مَعَ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُزَوَّجُ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِدُونِ الشَّرِيفَةِ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ الْمَصْلَحَةَ وَلِهَذَا يُزَوَّجُ ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، فَحَيْثُ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِهِ الشَّرِيفَةَ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِذَلِكَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ، وَهِيَ مَا إذَا عَيَّنَ امْرَأَةً فَقَطْ، أَوْ مَهْرًا فَقَطْ، أَوْ أَطْلَقَ، وَأَهْمَلَ. رَابِعًا وَهُوَ مَا إذَا عَيَّنَ الْمَرْأَةَ وَقَدَّرَ الْمَهْرَ بِأَنْ قَالَ: انْكِحْ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ الْإِذْنُ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: الْقِيَاسُ صِحَّتُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ قَبِلَ لَهُ الْوَلِيُّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَر مِنْهُ صَحَّ الْإِذْنُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَر مِنْهُ أَيْضًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَوْ نَكَحَ بِالْأَلْفِ صَحَّ بِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ بِالْأَلْفِ وَسَقَطَتْ الزِّيَادَةُ، أَوْ بِمَا دُونَهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: انْكِحْ مَنْ شِئْت بِمَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ أَذِنَ لِلسَّفِيهِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يُفِدْهُ ذَلِكَ جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ الْحَجْرَ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلِيُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِنْشَاءِ، وَيُفَارِقُ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ يَفُوتُ مَالًا، وَإِقْرَارَهَا يُحَصِّلَهُ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرَ الطَّلَاقِ شَرَى جَارِيَةً لِأَنَّهُ أَصْلَحُ لَهُ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فَإِنْ تَبَرَّمَ بِهَا أُبْدِلَتْ، وَإِكْثَارُ الطَّلَاقِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهُنَّ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ ثِنْتَيْنِ فَيُطَلِّقُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَفَهِمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَةِ لَيْسَ مُرَادًا، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُطَلِّقُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَالثَّانِي: وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ مِنْ وَجْهَيْهِ الْأَوَّلُ فَيَكْتَفِي بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَلَوْ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْرِي ابْتِدَاءً، وَيَنْبَغِي كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فِي الْإِعْفَافِ وَيَتَعَيَّنُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (فَإِنْ قَبِلَ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ (وَلِيُّهُ) أَيْ النِّكَاحَ (اُشْتُرِطَ إذْنُهُ) أَيْ السَّفِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَتُهَا، فَإِذَا عَرَفَ حَاجَتَهُ زَوَّجَهُ كَمَا يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ (وَ) إنَّمَا (يَقْبَلُ) لَهُ الْوَلِيُّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَلِيقُ بِهِ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَتَسْقُطُ الزِّيَادَةُ لِتَبَرُّعِهِ بِهَا (وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ.
المتن: وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ وَلِيِّهِ، أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (فَبَاطِلٌ) كَمَا لَوْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى خَوْفِ الْعَنَتِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ فِي الْمَفَازَةِ لَا تَجِدُ وَلِيًّا (فَإِنْ) قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ، وَ (وَطِئَ) فِيهِ رَشِيدَةً (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) أَمَّا الْحَدُّ فَبِلَا خِلَافٍ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَعَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى بُضْعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهَا بِحَالِهِ لِتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا مَعَ تَقَدُّمِ إذْنِهَا لِتَفْرِيطِهَا بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ إذَا وَطِئَهَا مُخْتَارَةً كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، فَلَوْ وَطِئَهَا نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمُكْرَهَةِ، وَخَرَجَ بِرَشِيدَةٍ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ أَوْ صِبًا أَوْ جُنُونٍ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِتَمْكِينِهَا، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ مِثْلِهِ وَأَتْلَفَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ، وَمِثْلُهَا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ سَفِيهٌ لِآخَرَ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنِّي لَمْ أَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبُضْعَ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ، فَكَانَ إذْنُهَا فِي إتْلَافِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُزَوَّجَةُ بِالْإِجْبَارِ كَالسَّفِيهَةِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ، وَالتَّمْكِينُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا مَمْنُوعٌ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ (مَهْرُ مِثْلٍ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ (وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ الْخُلُوُّ الْمَذْكُورُ.
المتن: وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي كَسْبِهِ، لَا فِيمَا مَعَهُ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَذِمَّتِهِ، وَهَذَا وَإِنْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْفَلَسِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ هُنَا بَيَانَ مُؤَنِهِ فَقَالَ: (وَمُؤَنُ النِّكَاحِ) الْمُتَجَدِّدِ عَلَى الْحَجْرِ مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا (فِي كَسْبِهِ) بَعْدَ الْحَجْرِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ (لَا فِيمَا مَعَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَفِي ذِمَّتِهِ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ، أَمَّا النِّكَاحُ السَّابِقُ عَلَى الْحَجْرِ فَمُؤَنُهُ فِيمَا مَعَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِالْكَسْبِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَاسْتَوْلَدَهَا فَهِيَ كَالزَّوْجَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
المتن: وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ، وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ، وَلَهُ إطْلَاقُ الْإِذْنِ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ، وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ، فَإِنْ طَلَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا، وَقِيلَ إنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِذَا زَوَّجَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ وَفَاسِقٌ وَمُكَاتَبٌ، وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدًا صَبِيًّا وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا (بَاطِلٌ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ وَغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيُّ مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ}، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ وَلَا حَكَى لِي عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ. ا هـ. وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لَا أَعْلَمُ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفُ بَاطِلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَطِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالسَّفِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ فَمَنَعَهُ فَرَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى إجْبَارَ السَّيِّدِ فَأَمَرَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ فَأَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ زَوَّجَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَضَلَ الْوَلِيُّ (وَبِإِذْنِهِ) أَيْ السَّيِّدِ إنْ كَانَ مُعْتَبَرَ الْإِذْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ (صَحِيحٌ) وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (إطْلَاقُ الْإِذْنِ) لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ جَزْمًا وَيُنْكِحُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهَا (وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ) لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مُطْلَقًا يَصِحُّ مُقَيَّدًا (وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ) لَهُ (فِيهِ) مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنْ عَدَلَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ قَدَّرَ لَهُ السَّيِّدُ مَهْرًا فَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ، فَالزَّائِدُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ، فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْكِحَ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ قَالَ الْإِمَامُ: فَالرَّأْيُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا فِي السَّفِيهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَمَّا عَيَّنَهُ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَازَ، وَلَوْ نَكَحَ صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَنْكِحْ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِذْنِ، وَلَوْ نَكَحَ بِالْمُسَمَّى مِنْ مَهْرِهَا دُونَهُ صَحَّ بِهِ وَرُجُوعُ السَّيِّدِ فِي الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ) غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُبَعَّضِ وَلَوْ صَغِيرًا وَخَالَفَهُ فِي الدِّينِ (عَلَى النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَلْزَمُهُ ذِمَّةُ الْعَبْدِ مَالًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ. وَالثَّانِي: لَهُ إجْبَارُهُ كَالْأَمَةِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ الصَّغِيرُ قَطْعًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَلِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلِاقْتِضَاءِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّحْلِيلِ وَالرَّضَاعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ إلَخْ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ فَلَا يُجْبِرُهَا قَطْعًا (وَلَا عَكْسِهِ) بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ أَيْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ إجْبَارُ سَيِّدِهِ عَلَى النِّكَاحِ إذَا طَلَبَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ وَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ مَقَاصِدَ الْمِلْكِ وَفَوَائِدَهُ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ. وَالثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يُوقِعُهُ فِي الْفُجُورِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُجْبَرُ قَطْعًا، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ هَلْ لِسَيِّدَيْهِ إجْبَارُهُ وَعَلَيْهِمَا إجَابَتُهُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ أَجَابَهُ أَحَدُهُمَا إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا إجَابَةَ لَهُ (وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ) غَيْرِ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ فَيُزَوِّجُهَا بِرَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا قُرَشِيًّا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا لَا نَسَبَ لَهَا لَا بِمَعِيبٍ كَأَجْذَمَ وَأَبْرَصَ وَمَجْنُونٍ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْ الْبَيْعِ الِاسْتِمْتَاعَ غَالِبًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَيَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَوْ أَجْبَرَهَا السَّيِّدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَوْلُهُ (بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) تَعْمِيمٌ فِي صِفَةِ الْأَمَةِ مِنْ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَصِغَرٍ وَكِبَرٍ وَعَقْلٍ وَجُنُونٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَلَا يُجْبِرُهُمَا وَلَا أَمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْمَرْهُونَةِ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيُلْحِقُ بِهَا الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهَا مَالًا بِلَا إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَكَانَ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ. وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْقِرَاضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَهُ تَزْوِيجُ أَمَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِتَضَرُّرِهِمَا بِهِ، فَلَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَالُوا فِي مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ إنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَهْرِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ، وَهَذَا فِي أَمَتِهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ إنْ أَحْبَلَهَا، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا بَلْ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا، وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ عَنْ مَدْيُونٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْحَالِ وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ أَمَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دُونَ قِيمَةِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمَةَ الْمَوْرُوثَةَ كَأَمَةِ الْمَأْذُونِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِعْتَاقُ أَمَةِ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْرُوثَةِ كَإِعْتَاقِ الْجَانِي (فَإِنْ طَلَبَتْ) مِنْ السَّيِّدِ التَّزْوِيجَ (لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا) وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ وَتَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، أَوْ كَانَتْ بَالِغَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ تَائِقَةً خَائِفَةً الزِّنَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَزِمَهُ) إذْ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ قَضَاءُ شَهْوَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْفَافِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ كَأَنْ مُلِكَ لِامْرَأَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي إجْبَارِهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا (وَإِذَا زَوَّجَهَا) أَيْ السَّيِّدُ أَمَتَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ، وَنَقْلُهُ إلَى الْغَيْرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ وَنَقْلُهَا بِالْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي: بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةَ الْحَظِّ، وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ مَعِيبٍ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى فِي تَزْوِيجِ الْعَبْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إلَّا إذَا قُلْنَا لِلسَّيِّدِ إجْبَارُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا أَصْلًا، بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِيمَا سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا وَكِتَابَتِهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِي الْكَافِرَةِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ فِي الْوِلَايَةِ آكَدُ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْكَافِرَاتِ بِالْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْكِتَابِيَّةِ، فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَافِرَةِ فَشَمَلَ الْمُرْتَدَّةَ وَلَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَفِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَغَوِيّ جَزْمَهُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ كَأُخْتِهِ (وَ) يُزَوِّجُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (فَاسِقٌ) أَمَتَهُ (وَمُكَاتَبٌ) كِتَابَةً صَحِيحَةً يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِضَعْفِ مِلْكِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُزَوِّج وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَنْ ذَكَرْت؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلِي الْكَافِرَةَ، وَالْفِسْقَ يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَالرِّقَّ يَمْنَعُهَا كَمَا مَرَّ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَمَةً. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا يُزَوِّجُهَا وَلَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمُبَعَّضِ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدًا) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ (صَبِيٍّ) وَصَبِيَّةٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِطَاعِ أَكْسَابِهِ وَفَوَائِدِهِ عَنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَلَا يُجْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ إجْبَارِهِ مَنْعُ تَزْوِيجِهِ بِرِضَاهُ وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ. ا هـ. وَمَعَ هَذَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّرْته لَكَانَ أَوْلَى (وَيُزَوِّجُ) وَلِيُّ الصَّبِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ (أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذَا ظَهَرَتْ الْغِبْطَةُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اكْتِسَابًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَالثَّانِي: لَا يُزَوِّجُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا، وَقَدْ تَحْبَلُ فَتَهْلِكُ، وَأَمَةُ غَيْرِ الصَّبِيِّ مِمَّنْ ذُكِرَ مَعَهُ كَأَمَتِهِ، لَكِنْ لَا تُزَوَّجُ أَمَةُ السَّفِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مَمْنُوعٌ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَالسُّلْطَانُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي أَمَةِ مَنْ بِهِ سَفَهٌ أَوْ جُنُونٌ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهِ، وَنِكَاحَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الصَّغِيرِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ وَلِيَ مَالَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ كَافِرًا وَأَمَتُهُ مُسْلِمَةً لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهَا، وَيُزَوِّجُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا أَمَةَ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهَا وَنِكَاحَهَا، بِخِلَافِ أَمَةِ الثَّيِّبِ الْعَاقِلَةِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ مَالِكِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَلِي النِّكَاحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ. خَاتِمَةٌ: أَمَةُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا يُزَوِّجُهَا وَلِيُّ السَّيِّدَةِ تَبَعًا لِوِلَايَتِهِ عَلَى سَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدَةِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا الْمَالِكَةُ لَهَا نُطْقًا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَبُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ صَحَّ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا فَلَا يُمْنَعُ الْعَقْدُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ وَخَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَيْهِ يُمْنَعُ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ، لَكِنْ إذَا مَاتَ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَرَقَّ بَعْضُهَا بِأَنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ كَانَ هُوَ الْوَلِيَّ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خُرُوجِهَا فِي الْأُولَى مَالِكٌ مَا لَمْ يَعْتِقْ وَنَائِبُ وَلِيٍّ مَا عَتَقَ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَالِكُ ذَاكَ وَوَلِيُّ هَذَا.
المتن: تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْك أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أُمُّك، وَالْبَنَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَبِنْتُك. قُلْت: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ، وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ فَعَمَّتُك، أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك.
الشَّرْحُ: بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ يُطْلَقُ فِي الْعَقْدِ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبْوِيبِ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمَخْطُوبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ، وَمُرَادُهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهِيَ قِسْمَانِ: مُؤَبَّدٌ، وَغَيْرُ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْ الْأَوَّلِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ - اخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا: {نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ} وَالْمُؤَبَّدُ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ، وَرَضَاعٌ، وَمُصَاهَرَةٌ، وَلِضَابِطِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ: تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولَهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَالْأُصُولُ: الْأُمَّهَاتُ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ. وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ: الْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ. وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَالْأَوَّلُ لِتِلْمِيذِهِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَرْجَحُ لِإِيجَازِهِ وَنَصِّهِ عَلَى الْإِنَاثِ، بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِمَجِيئِهِ عَلَى نَمَطِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُنَّ مِنْ الْأَقَارِبِ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَيَحْرُمُ بِهَا سَبْعٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ: (تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ، وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ فَقَدْ تَسَمَّحَ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّارِحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ وَقَعَ لَهُ عِبَارَتَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ. وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي (وَ) ضَابِطُ الْأُمِّ هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك) فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ وَأُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ (فَهِيَ أُمُّك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمَّهَاتِ بِالنَّسَبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِالْأُمُومَةِ لَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَفِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ (وَ) الثَّانِي (الْبَنَاتُ) جَمْعُ بِنْتٍ (وَ) ضَابِطُهَا هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا) فَبِنْتُك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ، وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ نَزَلَتْ (فَبِنْتُك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت: كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْكَ نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا بِنْتُ الزَّانِي فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ دُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِقَوْلِهِ (قُلْت: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ) مَاءِ (زِنَاهُ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوِعَةً أَمْ لَا، سَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لَا (تَحِلُّ لَهُ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ؛ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا، فَلَا تَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْخَصْمُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ نَبِيٌّ، كَأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيلَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ) وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا (وَلَدُهَا مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ كَالْعُضْوِ مِنْهَا وَانْفَصَلَ مِنْهَا إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا الْبِنْتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى نَافِيهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهَا بِهِ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَتَتَعَدَّى حُرْمَتُهَا إلَى سَائِرِ مَحَارِمِهِ، وَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ لَهَا، وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لَهَا، وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ لَهَا وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي لَا كَمَا يَقْتَضِي كَلَامُ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ لَا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعَنَةِ، وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا لِلشَّكِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ وَلَدُ إنْسَانٍ بِلَقِيطَةٍ أَوْ مَجْهُولَةِ نَسَبٍ فَادَّعَى أَبُوهُ بُنُوَّةَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِقْرَارِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْأَبِ ثَبَتَ نَسَبُهَا وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَفِيهِ وَحْشَةٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَطَأُ أُخْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا، وَقِيسَ بِهِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْهُولِ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهُ أَبُوهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الزَّوْجَةُ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَبُ بَيِّنَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُكْمُ الْمَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ فَقَطْ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، لَكِنْ لَوْ أَبَانَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ إذْنَهَا شَرْطٌ وَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا تُنْكِرُهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ بَعْدَهُ فَكُلُّهُ. وَحُكْمُهَا فِي قَبْضِهِ كَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ وَقَعَ الِاسْتِلْحَاقُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ لِلِابْنِ نِكَاحُهَا (وَ) الثَّالِثُ (الْأَخَوَاتُ) جَمْعُ أُخْتٍ. وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك (وَ) الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ (بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَ) بَنَاتُ (الْأَخَوَاتِ) مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلْنَ. تَنْبِيهٌ: : كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ تَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ (وَ) السَّادِسُ (الْعَمَّاتُ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، سَوَاءٌ كُنَّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَمْ لَا (وَ) السَّابِعُ (الْخَالَاتُ) كَذَلِكَ (وَ) أَشَارَ لِضَابِطِ الْعَمَّةِ بِقَوْلِهِ: (كُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ) بِلَا وَاسِطَةٍ فَعَمَّتُك حَقِيقَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَعَمَّةِ أَبِيكَ (فَعَمَّتُك) مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ، وَأَشَارَ لِضَابِطِ الْخَالَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) أَيْ وَكُلُّ مَنْ هِيَ (أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك) بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَالَتُك حَقِيقَةً، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَخَالَةِ أُمِّك (فَخَالَتُك) مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ.
المتن: وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ مَنْ وَلَدَكَ أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك أَوْ ذَا لَبَنِهَا فَأُمُّ رَضَاعٍ، وَقِسْ الْبَاقِي وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك وَنَافِلَتَك، وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَبِنْتُهَا وَلَا أُخْتُ أَخِيك: مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ وَهِيَ أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ وَعَكْسُهُ، وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ أَوْ وَلَدَكَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك مِنْهُمَا وَكَذَا بَنَاتُهَا إنْ دَخَلْتَ بِهَا، وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ، قِيلَ أَوْ لَا حَقِّهَا، الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةً بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ نَكَحَ مِنْهُنَّ، لَا بِمَحْصُورَاتٍ، وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبَّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ كَوَطْءِ زَوْجَةَ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي، وَهُوَ الرَّضَاعُ، فَقَالَ (وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا) لِلْآيَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: {يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ} وَفِي رِوَايَةٍ: " مِنْ النَّسَبِ " وَفِي أُخْرَى: {حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ} (وَ) ضَابِطُ أُمِّكَ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ (كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك) أَوْ صَاحِبَ اللَّبَنِ (أَوْ) أَرْضَعَتْ (مَنْ وَلَدَكَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ) وَلَدَتْ (ذَا) أَيْ صَاحِبَ (لَبَنِهَا) وَهُوَ الْفَحْلُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَأُمُّ رَضَاعٍ) فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (وَقِسْ) عَلَى ذَلِكَ (الْبَاقِي) مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ مِمَّا ذُكِرَ، فَضَابِطُ بِنْتِ الرَّضَاعِ: هُوَ كُلُّ امْرَأَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِك أَوْ لَبَنِ مَنْ وَلَدْتَهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ وَلَدْتَهَا بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَكَذَا بَنَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَضَابِطُ أُخْتِ الرَّضَاعِ: هُوَ كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهَا أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَبِيك أَوْ وَلَدَتْهَا مُرْضِعَتُك أَوْ وَلَدُك الْفَحْلُ. وَضَابِطُ عَمَّةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْفَحْلِ أَوْ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَ الْفَحْلَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَضَابِطُ خَالَةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْمُرْضِعَةِ أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْ الْمُرْضِعَةَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَضَابِطُ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ، وَكَذَا كُلُّ أُنْثَى أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك وَبَنَاتِهَا وَبَنَاتِ أَوْلَادِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك) أَوْ أُخْتَك، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَتْ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أُمٌّ أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبٍ (وَ) لَا مَنْ أَرْضَعَتْ (نَافِلَتَك) وَهُوَ وَلَدُ وَلَدِك، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حَرُمَتْ عَلَيْك لِأَنَّهَا بِنْتُك أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك (وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَ) لَا (بِنْتُهَا) أَيْ بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ كَانَتْ مَوْطُوءَتَك فَتَحْرُمُ أُمُّهَا عَلَيْك وَبِنْتُهَا، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ فِي الرَّضَاعِ، فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَاعِدَةِ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الضَّابِطِ، وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَثْنِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَلَا اُسْتُثْنِيَتْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأَخِ لَمْ تَحْرُمْ لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخٍ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ لِكَوْنِهَا أُمًّا أَوْ حَلِيلَةَ أَبٍ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِيهِنَّ. ا هـ. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: {قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ} مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِقَوَاعِدِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَلَا يُغَادِرُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى تَتِمَّةٍ بِتَصَرُّفٍ قَائِسٍ. قَالَ: وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ لَا قُصُورَ فِيهِ وَلَا اسْتِثْنَاءَ مِنْهُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ: أَرْبَعٌ هُنَّ فِي الرَّضَاعِ حَلَالٌ وَإِذَا مَا نَسَبْتَهُنَّ حَرَامُ جَدَّةُ ابْنٍ وَأُخْتُهُ ثُمَّ أُمٌّ لِأَخِيهِ وَحَافِدٌ وَالسَّلَامُ وَزَادَ الْجُرْجَانِيِّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: أُمُّ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَأُمُّ الْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَأَخُو الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ، وَصُورَةُ الْأَخِيرَةِ فِي امْرَأَةٍ لَهَا ابْنٌ ثُمَّ إنَّ ابْنَهَا ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَهَا ابْنٌ، فَذَلِكَ الِابْنُ أَخُو ابْنِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الَّذِي هُوَ أَخٌ لِابْنِهَا (وَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْك (أُخْتُ أَخِيكَ) وَقَوْلُهُ (مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُخْتٍ لَا بِأَخٍ (وَهِيَ) فِي النَّسَبِ (أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ) أَيْ الْأَخِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَك مِنْ الْأُمِّ، وَصُورَتُهُ فِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَك امْرَأَةٌ وَتُرْضِعَ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَلِأَخِيك نِكَاحُهَا (وَعَكْسُهُ) فِي النَّسَبِ أُخْتُ أَخِيك لِأُمِّك لِأَبِيهِ، بِأَنْ كَانَ لِأَبِي أَخِيك بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا، وَفِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةٌ أَخَاكَ وَتُرْضِعَ مَعَهُ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْعَكْسُ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ، فَقَالَ: (وَتَحْرُمُ) عَلَيْك (زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} (أَوْ) زَوْجَةُ مَنْ (وَلَدَكَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} . قَالَ فِي الْأُمِّ: يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ (مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ) هُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا مَعًا. أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ. وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ}. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنِّي فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ حَقِيقَةً (وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِهَا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (وَكَذَا بَنَاتُهَا) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (إنْ دَخَلْتَ بِهَا) فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَذِكْرُ الْحُجُورِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أُعِيدَ الْوَصْفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُعَدْ إلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ عَقِبَ الْجُمَلِ تَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ نِسَائِكُمْ الثَّانِي مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَنِسَائِكُمْ الْأَوَّلَ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعُ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ الْجَرُّ وَهُوَ أَحَدٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرَ فِي الدُّخُولِ أَنْ يَقَعَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا الدُّخُولَ فِي تَحْرِيمِ أُصُولِ الْبِنْتِ وَاعْتَبَرُوا فِي تَحْرِيمِهَا الدُّخُولَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا، وَتَقْيِيدُ التَّحْرِيمِ بِالدُّخُولِ يُفْهِمُ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بِشَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِلُّ الْمَنْكُوحَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ حَرُمَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالرَّبِيبَةِ، وَمَنْ حَرُمَ بِالْعَقْدِ وَهِيَ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، نَعَمْ لَوْ وُطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ حَرُمَ بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعَقْدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ بِاسْتِدْخَالِ أُمِّهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ إذْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِأَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ يُثْبِتُ الْمُصَاهَرَةَ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ مَاءَ زَوْجِهَا وَمُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا حِلُّ الْبِنْتِ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهَا بِنْتُ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا بِنْتًا لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ تَحْرِيمِ بِنْتِ زَوْجِ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ أَوْ أُمِّهِ، وَعَدَمُ تَحْرِيمِ أُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ، أَوْ الِابْنِ أَوْ بِنْتِهَا، أَوْ زَوْجَةِ الرَّبِيبِ، أَوْ الرَّابِّ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ (وَ) كُلُّ (مَنْ وَطِئَ) فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ وَاضِحٌ (امْرَأَةً بِمِلْكٍ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَمْ لَا (حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ) (هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ) الْحَيَّةُ (بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ وَطِئَ بِفَاسِدِ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ أَمْ لَا (قِيلَ أَوْ حَقِّهَا) بِأَنْ ظَنَّتْهُ كَمَا ظَنَّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ. وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقِيَامِ الشُّبْهَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا الْمَيِّتَةُ فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعُضْوِ زَائِدًا. قَالَهُ أَبُو الْفُتُوحِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشْعِرُ تَشْبِيهُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ التَّحْرِيمُ فَقَطْ فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتِهَا، وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهِمَا، وَلَا مَسُّهُمَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَمَا صَحَّحَهُ مِنْ عَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حَقِّهَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْمَهْرِ وَتَحْقِيقُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شُبْهَةَ الْوَاطِئِ فَقَطْ تُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ لَا الْمَهْرَ وَشُبْهَةُ الْمَوْطُوءَةِ فَقَطْ تُوجِبُ الْمَهْرَ فَقَطْ لَا الْمُصَاهَرَةَ وَالْعِدَّةَ وَالنَّسَبَ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي حَقِّهِ صُورَتَانِ: الشُّبْهَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مَعًا، وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ فَقَطْ، وَخَرَجَ عَنْهُ صُورَتَانِ شُبْهَتُهَا فَقَطْ وَعَدَمُ شُبْهَتِهِ (لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) فَلَا يَثْبُتُ بِزِنَاهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَلِلزَّانِي نِكَاحُ أُمِّ مَنْ زَنَى بِهَا وَبِنْتِهَا وَلِابْنِهِ وَأَبِيهِ نِكَاحُهَا هِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَا كَالنَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ زِنَا الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمُصَاهَرَةُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْمَجْنُونِ صُورَةُ زِنًا لَا زِنًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمٌ وَلَا حَدٌّ، وَلَوْ لَاطَ شَخْصٌ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ (وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ) كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ (بِشَهْوَةٍ) فِي زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، لَكِنْ بِشُبْهَةٍ كَمَا لَوْ مَسَّ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَذَا لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَالْوَطْءِ بِجَامِعِ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَحْرَمِ فَكَانَ كَالْوَطْءِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الشَّهْوَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَمَّا اللَّمْسُ بِغَيْرِهَا فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَمْسُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِمَا لَهُ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِهِ أَيْ فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ بِخِلَافِ لَمْسِ الزَّوْجَةِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَتَثْبُتُ الْعِدَّةُ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالنَّسَبُ فَقَطْ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجٍ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَيِّدٌ بِشُبْهَةٍ دُونَ الْإِحْصَانِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَقْرِيرُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُهُ لِلْمُفَوَّضَةِ وَالْغُسْلُ وَالْمَهْرُ فِي صُورَةِ الشُّبْهَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِذَلِكَ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِمَا بِثُبُوتِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ. قَالَ: وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الزَّوْجِ وُجُودُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَ الْإِنْزَالِ وَالِاسْتِدْخَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَاءِ الْأَجْنَبِيِّ قِيَامُ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا فِيهِمَا، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُهُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زِنَا الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ يَثْبُتُ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَزْنِي بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي زَوْجَتِهِ بِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ زِنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا (وَلَوْ اخْتَلَطَتْ) امْرَأَةٌ (مَحْرَمٌ) لِشَخْصٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِلِعَانٍ أَوْ نَفْيٍ أَوْ تَوَثُّنٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ (بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ) غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ (نَكَحَ مِنْهُنَّ) جَوَازًا بِاجْتِهَادٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ لَتَضَرَّرَ بِالسَّفَرِ، وَرُبَّمَا انْحَسَمَ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ يُؤْمَنْ مُسَافَرَتُهَا إلَيْهَا وَهَذَا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ صَيْدُ مَمْلُوكٍ بِصُيُودٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ لَا يَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ نَكَحَ مِنْهُنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْجَمِيعَ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ، وَهَلْ يَنْكِحُ إلَى أَنْ تَبْقَى وَاحِدَةٌ أَوْ إلَى أَنْ يَبْقَى عَدَدٌ مَحْصُورٌ؟ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. وَقَالَ: الْأَقْيَسُ عِنْدِي الثَّانِي. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوَانِي مِنْ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ بِمَظْنُونِ الطَّهَارَةِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مُتَيَقِّنِهَا أَيْ فِي مَحْصُورٍ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ: مَحْرَمُ الدَّائِرِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَإِنْ مَنْ حَرُمَتْ بِالْجَمْعِ أَوْ بِالْعِدَّةِ كَذَلِكَ (لَا بِمَحْصُورَاتٍ) فَإِنَّهُ لَا يَنْكِحُ مِنْهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِاجْتِنَابِهِنَّ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَنْعِنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا سَبَقَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا حَلَالٌ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الزَّوْجِ هَلْ هُوَ مَالِكٌ أَوْ لَا وَهُوَ لَا يَضُرُّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالِكٌ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَخٌ خُنْثَى أُخْتَهُ وَتَبَيَّنَتْ ذُكُورَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَرَى ذَلِكَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ صَحَّ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَحْصُورُ مَا سَهُلَ عَلَى الْآحَادِ عَدُّهُ دُونَ الْوُلَاةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: غَيْرُ الْمَحْصُورِ كُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَعَسُرَ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَأَلْفٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعِشْرِينَ فَمَحْصُورٌ. قَالَ: وَمَا بَيْنَهُمَا يَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِالظَّنِّ وَمَا شَكَّ فِيهِ اسْتَفْتَى فِيهِ الْقَلْبَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ عِنْدَ الشَّكِّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَخَرَجَ بِمَحْرَمٍ مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُطْلَقًا وَلَوْ بِاجْتِهَادٍ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يُبَاحُ بِالْعَقْدِ لَا بِالِاجْتِهَادِ (وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبِّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ) أَيْ مَنَعَ دَوَامَهُ (كَوَطْءِ) الْوَاضِحِ (زَوْجَةِ ابْنِهِ) بِنُونٍ أَوْ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ حَيْثُ كَتَبَ كَلِمَةَ مَعًا عَلَى ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِنْتِهَا (بِشُبْهَةٍ) فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا، كَمَا يُمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَحْرَمًا لِلْوَاطِئِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَبِنْتِ أَخِيهِ أَمْ لَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالشِّقِّ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِطُرُوئِهِ عَلَى النِّكَاحِ عَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ أَبَدًا، وَلَا يَنْقَطِعُ عَلَى الِابْنِ مِلْكُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ إحْبَالٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدِ الْحِلِّ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُتَقَوَّمٍ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، أَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ النِّكَاحُ. . فَرْعٌ: لَوْ عَقَدَ شَخْصٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَابْنُهُ عَلَى بِنْتِهَا وَزُفَّتَا إلَيْهِمَا بِأَنْ زُفَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَوَطِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَلَطًا انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ وَأُمُّ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ، وَزَوْجَةَ الِابْنِ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ وَبِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا لِمَوْطُوءَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا بِالْوَطْءِ لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَفَعَ نِكَاحَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِزَوْجَتِهِ أَوْ لَا؟ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: لَا، إذْ لَا صُنْعَ لَهُ. وَثَانِيهَا: نَعَمْ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهَا. وَثَالِثُهَا: وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ يَجِبُ لِصَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ وَمُكْرَهَةٍ وَنَائِمَةٍ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا فَكَانَ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ، وَيُرْجَعُ عَلَى السَّابِقِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِمَا غَرِمَ كَمَا فِي الرَّضَاعِ، وَلَا يَجِبُ لِعَاقِلَةٍ مُطَاوَعَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَوْ غَلَطًا كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ حُرَّةٌ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ وَطِئَا مَعًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي تَرْجِيحُهُ بِنِصْفِ مَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهُ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ بِفِعْلِهِمَا كَنَظِيرِهِ فِي الِاصْطِدَامِ، وَلَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ وَجَبَ لِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحَانِ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلِزَوْجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَلَوْ نَكَحَ الشَّخْصُ جَاهِلًا امْرَأَةً وَبِنْتَهَا مُرَتِّبًا فَالنِّكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَنِكَاحُ الْأُولَى بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَا أَثَرَ لَهُ أَوْ جَاهِلًا بِهِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنْتُهَا، وَلَزِمَهُ لِلْأُولَى نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا لِمَا مَرَّ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ مِثْلٍ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا إنْ كَانَتْ هِيَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ فَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ.
المتن: وَيَحْرُمُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنْ جَمَعَ بِعَقْدٍ بَطَلَ، أَوْ مُرَتَّبًا فَالثَّانِي وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ، لَا مِلْكُهُمَا فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى كَبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا رَهْنٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أَوْ عَكَسَ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ دُونَهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ (وَيَحْرُمُ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (جَمْعُ) امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ رَضَاعٌ لَوْ فَرَضَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا كَجَمْعِ (الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ) وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} ، وَلِخَبَرِ: {لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى}، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِيَّةِ الرَّحِمِ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ} كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (جَمَعَ) بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَأُخْتَيْنِ (بِعَقْدٍ بَطَلَ) نِكَاحُهُمَا إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى (أَوْ مُرَتَّبًا فَ) الْأَوَّلُ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ، هَذَا إذَا عَلِمَ عَيْنَ السَّابِقِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَا، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ، وَخَرَجَ بِالرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ الْجَمْعُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَجَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ بِنْتِهِ مِنْ أُخْرَى لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَصَلَتْ بِفَرْضِ أُمِّ الزَّوْجِ ذَكَرًا فِي الْأُولَى وَبِفَرْضِ بِنْتِهِ ذَكَرًا فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ وَلَا رَضَاعٌ بَلْ مُصَاهَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا رَحِمٌ يُحْذَرُ قَطْعُهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ قَيْدِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ بِأَنْ يُقَالَ: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا قُدِّرَتْ ذَكَرًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ أُمَّ الزَّوْجِ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهَا زَوْجَةُ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَكِنَّ زَوْجَةَ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى بَلْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى هَذَا السَّيِّدَةُ وَأَمَتُهَا لِصِدْقِ الضَّابِطِ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعَبْدٍ، وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً بِشُرُوطِهِ ثُمَّ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ مِنْ التَّحْرِيمِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ الْمُقْتَضِي لِمَنْعِ النِّكَاحِ فَتَخْرُجُ هَذِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا قَدْ يَزُولُ، وَبِأَنَّ السَّيِّدَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَلَّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ بِالْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتِ الرَّجُلِ وَرَبِيبَتِهِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَرَبِيبَةِ زَوْجِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَبَيْنَ أُخْتِ الرَّجُلِ مِنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ إذْ لَا تَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَةِ إحْدَاهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِرَاشَ قَدْ انْقَطَعَ (وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ) جَمْعُهُمَا أَيْضًا (فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ) أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ، لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْعَقْدُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى (لَا مِلْكُهُمَا) أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ كَشِرَاءِ أُخْتَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْوَطْءِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَنَحْوَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ (فَإِنْ وَطِئَ) طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا (وَاحِدَةً) مِنْهُمَا وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً (حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى) بِمُحَرِّمٍ (كَبَيْعٍ) وَعِتْقٍ لِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا (أَوْ نِكَاحٍ) أَيْ تَزْوِيجِهَا (أَوْ كِتَابَةٍ) صَحِيحَةٍ لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُولَى أَثِمَ وَلَمْ تَحْرُمْ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الثَّانِيَةَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْمَاءَ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ (لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ) وَرِدَّةٍ فَإِنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ (وَكَذَا رَهْنٌ) مَقْبُوضٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَطْءَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَالثَّانِي: يَكْفِي الرَّهْنُ كَالتَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ لَمْ تَحِلَّ الثَّانِيَةُ جَزْمًا، فَلَوْ عَادَ الْحِلُّ بِرَدِّ الْمَبِيعَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ وَعَجْزِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِيَةَ بَعْدُ فَلَهُ الْآنَ وَطْءُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا لَمْ يَطَأْ الْعَائِدَ حَتَّى تَحْرُمَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأُولَى تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحَةً عَلَى انْفِرَادِهَا، فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمَحْرَمٍ فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى. نَعَمْ لَوْ مَلَكَ أُمًّا وَبِنْتَهَا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حَرُمَتْ الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْطُوءَةَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى، وَحَيْثُ لَا فَوَجْهَانِ: وَقَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالْحِلِّ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ مَلَكَ شَخْصٌ أَمَةً وَخُنْثَى أَخَوَيْنِ فَوَطِئَهُ جَازَ لَهُ عَقِبَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً بِالرَّضَاعِ، فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتَمِدَهُمَا، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْأَمَةُ أَنَّ سَيِّدَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ بَعْدَ التَّمْكِينِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ، وَقِيَاسُ الزَّوْجَةِ فِي دَعْوَاهَا ذَلِكَ أَنَّهَا تُقْبَلُ (وَلَوْ مَلَكَهَا) أَيْ الْأَمَةَ وَطِئَهَا أَمْ لَا (ثُمَّ نَكَحَ) مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَأَنْ نَكَحَ (أُخْتَهَا) الْحُرَّةَ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا (أَوْ عَكَسَ) أَيْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ مَلَكَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ مَلَكَ أُخْتَهَا (حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (دُونَهَا) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا يُجَامِعُ النِّكَاحُ حِلَّهَا لِغَيْرِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ بَلْ يَدْفَعُهُ.
المتن: وَلِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَحِلُّ (لِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ) فَقَطْ لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ نَقَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِيهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْفَضَائِلِ فَلَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْحُرِّ كَمَا لَمْ يَلْحَقْ الْحُرُّ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
المتن: وَلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ، فَإِنْ نَكَحَ خَمْسًا مَعًا بَطَلْنَ أَوْ مُرَتَّبًا فَالْخَامِسَةُ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَحِلُّ (لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ، {وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلَانَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نُسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ} رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحُوهُ، وَإِذَا امْتَنَعَ فِي الدَّوَامِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ، وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، وَرَاعَتْ شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ، وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الْوَاحِدَةُ لِلْحُرِّ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ تَوَقَّفَ عَلَى الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ وَالْحُرِّ النَّاكِحِ الْأَمَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تِسْعٍ: مَثْنَى بِاثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ بِثَلَاثٍ، وَرُبَاع بِأَرْبَعٍ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعٌ، وَبَعْضٌ مِنْهُمْ تَدُلُّ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ، وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَحَ) الْحُرُّ (خَمْسًا) مَثَلًا (مَعًا) أَيْ بِعَقْدٍ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْعَبْدُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ (بَطَلْنَ) إذْ لَيْسَ إبْطَالُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَ الْجَمِيعُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ أَوْ فِي سِتٍّ لِلْحُرِّ وَأَرْبَعٍ لِلرَّقِيقِ أُخْتَانِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَتَا فِي سَبْعٍ لِلْحُرِّ أَوْ خَمْسٍ لِلْعَبْدِ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَفِي مَعْنَى الْأُخْتَيْنِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمُحَرَّمَةٍ وَمُلَاعَنَةٍ وَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ (أَوْ) نَكَحَهُنَّ (مُرَتَّبًا، فَالْخَامِسَةُ) لِلْحُرِّ، وَالثَّالِثَةُ: لِلْعَبْدِ بَطَلَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ حَصَلَ بِهَا. .
المتن: وَتَحِلُّ الْأُخْتُ، وَالْخَامِسَةُ فِي عِدَّةِ بَائِنٍ لَا رَجْعِيَّةٍ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ عَقَدَ عَلَى سِتٍّ عَلَى ثَلَاثٍ مَعًا وَثِنْتَيْنِ مَعًا وَوَاحِدَةٍ وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْ الْعُقُودِ فَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا أُولَى أَوْ ثَالِثَةً أَوْ رَابِعَةً، فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْعَقْدَيْنِ كَانَ ثَانِيهُمَا بَاطِلًا فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَنِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عَقْدَيْ الْفَرِيقَيْنِ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ، فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُ الْخَمْسِ، وَيُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهِنَّ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ وَيُسْأَلُ عَنْ الْبَيَانِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: هُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدَانِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَطَلَ الْعَقْدَانِ، وَهُنَا قَدْ أَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَّ وَاحِدَةٌ، وَالزَّوْجُ مُتَعَدِّدٌ وَلَمْ يُعْهَدْ جَوَازُهُ أَصْلًا بَلْ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ وَقَدْ عُهِدَ جَوَازُهُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي ذَلِكَ (وَتَحِلُّ الْأُخْتُ) وَنَحْوُهَا كَالْعَمَّةِ (وَ) الزَّائِدَةُ (الْخَامِسَةُ) أَوْ غَيْرُهَا (فِي عِدَّةِ بَائِنٍ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ (لَا رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَفِي مَعْنَاهَا الْمُتَخَلِّفَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُرْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَنْكَرَتْ وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا لِزَعْمِهِ انْقِضَاءَهَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ نَفَقَتِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا حُدَّ لِمَا ذُكِرَ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ لِذَلِكَ.
المتن: وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا أَوْ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ، وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا، بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ، وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لَا طِفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ، وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَطَلَ، وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا) سَوَاءٌ أَوْقَعَهُنَّ مَعًا أَمْ لَا، مُعَلَّقًا كَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا (أَوْ الْعَبْدُ) أَوْ الْمُبَعَّضُ (طَلْقَتَيْنِ) كَذَلِكَ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ) زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا (وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا) لَا فِي غَيْرِهِ كَدُبُرِهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ (حَشَفَتُهُ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَأَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنَّهُ يَكْفِي تَغْيِيبُهَا كَمَا يَكْفِي فِي تَحْصِينِهَا (أَوْ قَدْرُهَا) مِنْ فَاقِدِهَا، سَوَاءٌ أَوْلَجَ هُوَ أَمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ أَوْلَجَ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقُبُلِ مِنْ زِيَادَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُعْتَبَرُ الْحَشَفَةُ الَّتِي كَانَتْ لِهَذَا الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ (بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ) لِلْآلَةِ وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ وَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ أُصْبُعِهَا لِيَحْصُلَ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ الْآتِي فِي الْخَبَرِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ لِشَلَلٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَالْمُعْتَبَرُ الِانْتِشَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ السَّلِيمُ ذَكَرَهُ بِأُصْبُعِهِ بِلَا انْتِشَارٍ لَمْ يَحِلَّ كَالطِّفْلِ، فَمَا قِيلَ: إنَّ الِانْتِشَارَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا (وَ) لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ (صِحَّةِ النِّكَاحِ) فَلَا يُحَلَّلُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الْحِلَّ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ لَا يَحْنَثُ بِمَا ذَكَرَ (وَكَوْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ، لَا طِفْلًا) لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْإِجْبَارِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ (عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ) وَفِي وَجْهِ قَوْلٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِلَا انْتِشَارٍ لِشَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ صُورَةِ الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَيَكْفِي الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُهُ، وَفِي وَجْهٍ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ يُحَلِّلُ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ تَنْفِيرًا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} أَيْ الثَّالِثَةَ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: {جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ} وَالْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ: اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْوَطْءِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْعَسَلِ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ، وَقِيسَ بِالْحُرِّ غَيْرُهُ بِجَامِعِ اسْتِيفَاءِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: : قَوْلُهُ: لَا طِفْلًا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ ذَلِكَ، بَلْ وَطْؤُهَا مُحَلِّلٌ وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ فِي الذَّخَائِرِ بِالْمَنْعِ كَالطِّفْلِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ، وَالْمَعْنَى يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ التَّنْفِيرُ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْبُوبَةِ حَشَفَةِ الطِّفْلِ، وَيَكْفِي وَطْءُ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ وَخَصِيٍّ وَلَوْ كَانَ صَائِمًا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُظَاهَرًا مِنْهَا أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَا يَكْفِي جِمَاعُ رَجْعِيَّةٍ وَإِنْ رَاجَعَهَا، وَلَا مُعْتَدَّةٍ لِرِدَّةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فِي الْعِدَّةِ، وَتُتَصَوَّرُ الْعِدَّةُ بِلَا وَطْءٍ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ وَطِئَهَا، فَهَذَا الْوَطْءُ لَا يُحَلِّلُ لِوُجُودِهِ فِي حَالِ ضَعْفِ النِّكَاحِ. وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْلِيلِ الْبِكْرِ الِافْتِضَاضُ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ. وَحَكَى عَنْ النَّصِّ وَإِنْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ لِمُسْلِمٍ بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ فِي نِكَاحٍ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ تَرَافُعِهِمْ إلَيْنَا (وَلَوْ نَكَحَ) الزَّوْجُ الثَّانِي (بِشَرْطِ) أَنَّهُ (إذَا وَطِئَ طَلَّقَ) هَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ بَانَتْ) مِنْهُ (أَوْ فَلَا نِكَاحَ) بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ (بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ، فَإِنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أُضْمِرَ كُرِهَ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا وَطِئَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا لِلْأَوَّلِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ الْفُرْقَةَ بَلْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. فَإِنْ نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا إلَّا نَهَارًا أَوْ إلَّا مَرَّةً مَثَلًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَيْ لَمْ يَصِحَّ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ جِهَتِهَا لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، وَالتَّمَكُّنُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُهُ، وَلِلرَّافِعِيِّ هُنَا إشْكَالٌ ذَكَرْتُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ (وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ) إنْ شَرَطَهُ لَا يَبْطُلُ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُسَمَّى، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَلِلتَّنَاقُضِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ وَأَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ فَكَشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. تَتِمَّةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي التَّحْلِيلِ بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنْ أَكْذَبَهَا الثَّانِي مِنْ وَطْئِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى فَرْجِهَا، وَالْوَطْءُ مِمَّا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. نَعَمْ إنْ حَلَفَ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا، لَكِنْ يُكْرَهُ. فَإِنْ قَالَ: هِيَ كَاذِبَةٌ مُنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا إلَّا إنْ قَالَ بَعْدَهُ تَبَيَّنَ لِي صِدْقُهَا، وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ بِإِزَالَةِ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
المتن: لَا يَنْكِحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ، وَلَا تَنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أَوْ بَعْضَهُ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ (لَا يَنْكِحُ) الرَّجُلُ (مَنْ يَمْلِكُهَا) كُلَّهَا (أَوْ بَعْضَهَا) وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً لِتَنَاقُضِ أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ، إذْ الْمِلْكُ لَا يُوجِبُ الْقَسَمَ وَلَا يَقْتَضِي الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ التَّنَاقُضِ يَثْبُتُ الْأَقْوَى وَيَسْقُطُ الْأَضْعَفُ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا) مِلْكًا تَامًّا (بَطَلَ نِكَاحُهُ) أَيْ انْفَسَخَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ، وَالنِّكَاحُ لَا يَمْلِكُ بِهِ إلَّا ضَرْبًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (وَلَا تَنْكِحُ) الْمَرْأَةُ (مَنْ تَمْلِكُهُ) كُلَّهُ (أَوْ بَعْضَهُ) لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ مِلْكًا تَامًّا انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالسَّفَرِ إلَى الشَّرْقِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى الْغَرْبِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ بِحَقِّ النِّكَاحِ بَعَثَتْهُ فِي أَشْغَالِهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ رَفَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ تَامًّا، بِأَنْ ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ابْتَاعَتْهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِالتَّامِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ لِتَخْرُجَ هَذِهِ الصُّورَةُ.
المتن: وَلَا الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ، قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ، وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ فِي الْأُولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ، وَأَنْ يَخَافَ زِنًا، فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ فَلَا خَوْفَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِسْلَامُهَا وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي الْمَشْهُورِ، وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا) يَنْكِحُ (الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ) أَرْبَعَةٍ: ثَلَاثَةٌ فِي النَّاكِحِ، وَوَاحِدٌ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ يَعُمُّ الْحُرَّ وَغَيْرَهُ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ (أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، ثُمَّ وَصَفَ الْحُرَّةَ بِكَوْنِهَا (تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ) بِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا أَعْظَمُ مِنْ اسْتِطَاعَةِ طَوْلِهَا، وَاسْتِطَاعَةُ الطَّوْلِ وَعَدَمُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ مَانِعَانِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَعَ شَرْطِ خَوْفِ الزِّنَا مُتَّحِدَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ أَمِنَ مِنْ الْعَنَتِ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَنَتِ بِلَا وُجُودِ حُرَّةٍ مَانِعًا فَلَأَنْ يَكُونَ مَعَ وُجُودِهَا أَوْلَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَتْقَاءَ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِي خَبَرِ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ تَنْبِيهٌ: جَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَحْوَطَ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ أَصَحُّ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ، لَكِنْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ أَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَتَصْحِيحُ الْكِتَابِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ عَجِيبٌ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحَرَّرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْأَحْوَطَ إلَى تَرْجِيحِهِ، وَكَيْفَ يَقْتَصِرُ فِي كِتَابٍ الْتَزَمَ فِيهِ التَّنْصِيصَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحُرَّةِ أَيْضًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ وَالرَّقِيقَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْكُوحَةِ لَشَمَلَهَا. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَمَةَ غَيْرِهِ أَمَةُ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْإِعْفَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مُعْسِرًا. وَأَمَّا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهَا، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ: الْعَبْدُ وَلَوْ مُبَعَّضًا، فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي (وَ) ثَانِي الشُّرُوطِ (أَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً (تَصْلُحُ) لِلِاسْتِمْتَاعِ لِفَقْدِهَا أَوْ فَقْدِ صَدَاقِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ بِنِكَاحِهِ لِقُصُورِ نَسَبِهِ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: : جُعِلَ الْعَجْزُ عَنْ الْحُرَّةِ دُونَ صَدَاقِهَا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَجِدْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مَا لَوْ وَجَدَ أَمَةً وَحُرَّةً وَكَانَ صَدَاقُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا يَرْضَى سَيِّدُهَا إلَّا بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْحُرَّةِ الْمَوْجُودَةِ وَلَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ أَيْضًا إلَّا بِمَا طَلَبَ سَيِّدُ الْأَمَةِ، فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَنْكِحَ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْحُرَّةِ، وَجُمْلَةُ: " تَصْلُحُ " صِفَةُ حُرَّةٍ أَيْ تَصْلُحُ تِلْكَ الْحُرَّةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ (قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ) لَهُ كَصَغِيرَةٍ، وَأَحَالَ فِي الْمُحَرَّرِ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، لَكِنْ صَحَّحَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا اشْتِرَاطَ صَلَاحِيَّتِهَا (فَلَوْ قَدَرَ عَلَى) حُرَّةٍ (غَائِبَةٍ) عَنْ بَلَدِهِ (حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا) وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يُنْسَبَ مُتَحَمِّلُهَا فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ (أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ) أَيْ قَصْدِ الْحُرَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ وَوُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ، وَيَجِبُ السَّفَرُ لِلْحُرَّةِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا مَعَهُ إلَى وَطَنِهِ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ مِنْ التَّغَرُّبِ، وَالرُّخَصُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّضْيِيقَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِبَيْعِ مَسْكَنِهِ أَوْ خَادِمِهِ حَلَّتْ الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِمَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ يَتَسَرَّى بِهَا لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ وَإِلَّا فَيَنْكِحُهَا، وَحُمِلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْخِدْمَةِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَلَا يَمْنَعُ مَالُهُ الْغَائِبُ نِكَاحَهُ الْأَمَةَ كَمَا لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ الزَّكَاةَ (وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً) تَرْضَى (بِمُؤَجَّلٍ) وَلَمْ يَجِدْ الْمَهْرَ وَهُوَ يَتَوَقَّعُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ (أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ) وَهُوَ وَاجِدُهُ (فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ) وَاحِدَةٍ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَصِيرُ مَشْغُولَةً فِي الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَصْدُقُ رَجَاؤُهُ عِنْدَ تَوَجُّهِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ، وَهُوَ قَدْرُ مَهْرِهَا، أَوْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ مَنْ يَهَبُ لَهُ مَالًا أَوْ أَمَةً. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّيَمُّمِ وُجُوبَ شِرَاءِ الْمَاءِ بِمُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ يَمْتَدُّ إلَى وُصُولِهِ بَلَدَ مَالِهِ، وَرِضَاهَا بِالْمُؤَجَّلِ أَوْلَى مِنْ رِضَا رَبِّ الْمَاءِ بِتَأْجِيلِ ثَمَنِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُمْهَرُ غَالِبًا بِالْمَهْرِ الْحَالِّ بِخِلَافِ رَبِّ الدَّيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الزَّوْجَةِ كُلْفَةً أُخْرَى وَهِيَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَإِنَّهُمَا يَجِبَانِ بِمُجَرَّدِ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَاءِ (دُونَ) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ. وَالثَّانِي: لَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ قَلِيلَةً لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْمُهُورِ، وَلَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِلَا مَهْرٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِوُجُوبِ مَهْرِهَا بِالْوَطْءِ، وَلِأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْفَرْضِ فِي الْحَالِ، فَتَشْتَغِلُ ذِمَّتُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مُوسِرٌ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ وَلَدِهِ لِوُجُوبِ إعْفَافِهِ عَلَيْهِ (وَ) ثَالِثُ الشُّرُوطِ (أَنْ يَخَافَ زِنًا) بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَتَضْعُفَ تَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ الزِّنَا أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ لَا عَلَى نُدُورٍ، فَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ وَلَهُ تَقْوَى أَوْ مُرُوءَةٌ أَوْ حَيَاءٌ يَسْتَقْبِحُ مَعَهُ الزِّنَا، أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ وَتَقْوَاهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِقَّ وَلَدَهُ لِقَضَاءِ وَطَرٍ أَوْ كَسْرِ شَهْوَةٍ. وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ، سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْأُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} إلَى قَوْلِهِ: { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} وَالطَّوْلُ السَّعَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَبِالْعَنَتِ عُمُومُهُ لَا خُصُوصُهُ حَتَّى لَوْ خَافَ الْعَنَتَ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إلَيْهَا وَحُبِّهِ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَهْيِيجٌ مِنْ الْبَطَالَةِ وَإِطَالَةِ الْفِكْرِ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ اُبْتُلِيَ بِهِ وَسَلَاهُ تَنْبِيهٌ: : لَوْ حَذَفَ الرُّويَانِيُّ: وَاجِدًا لِلطَّوْلِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِهَا عِنْدَ فَقْدِ الطَّوْلِ فَيُفَوِّتُ اعْتِبَارَ عُمُومِ الْعَنَتِ، مَعَ أَنَّ وُجُودَ الطَّوْلِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِهَا، وَهَذَا الشَّرْطُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْبُوبَ ذَكَرُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَهُ وَلِلْخَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْمُؤَثِّمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا؛ لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ رِقِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا، وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَ الْجَبِّ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ (فَلَوْ أَمْكَنَهُ) أَيْ مَنْ خَافَ زِنًا (تَسَرٍّ) بِأَمَةٍ صَالِحَةٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَكَانَ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ لَا يَكْفِي لِلتَّزَوُّجِ بَلْ لِلتَّسَرِّي (فَلَا خَوْفَ) حِينَئِذٍ مِنْ الزِّنَا قَطْعًا فَلَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَمْنِهِ الْعَنَتَ مَعَ وُجُودِهَا فَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى إرْقَاقِ وَلَدِهِ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا فِي الْخَوْفِ لِلْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ (وَ) رَابِعُ الشُّرُوطِ (إسْلَامُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الَّتِي يَنْكِحُهَا الْحُرُّ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَّرَ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصَيْ الْكَافِرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: سُكُوتُهُ عَنْ اعْتِبَارِ إسْلَامِ سَيِّدِهَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْكُوحَةِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ (وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدِّينِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا لَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ فِي الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ بِاشْتِرَاطِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَفَقْدِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَاَلَّذِي فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُهُمَا كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِثْلَهُ إلَّا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنِكَاحُ الْحُرِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْوَثَنِيَّةَ كَنِكَاحِ الْكِتَابِيِّ الْكِتَابِيَّةَ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا طَلَبُوا مِنْ قَاضِينَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ (لَا) أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ (لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ (فِي الْمَشْهُورِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نِكَاحِهَا كُفْرُهَا فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَهُ نِكَاحُهَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى النَّاكِحِ وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا (وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ) وَبَاقِيهَا حُرٌّ حُكْمُهُ (كَرَقِيقَةٍ) كُلِّهَا فَلَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ مَحْذُورٌ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى مُبَعَّضَةٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ مِنْ إرْقَاقِ كُلِّهِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ اُقْتُصِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الرِّقِّ مَطْلُوبٌ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا وَهُوَ الرَّاجِحُ أَيْضًا. أَمَّا إذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ حُرًّا كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ امْتَنَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَطْعًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ لِرِقِّ أَوْلَادِهَا. نَعَمْ الْمَمْسُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَوْلَادِهَا فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ. وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَالرَّقِيقِ فَيَنْكِحُ الْأَمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، كَمَا أَنَّ الْمُبَعَّضَةَ كَالْأَمَةِ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
المتن: وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ، وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ بَطَلَتْ الْأَمَةُ، لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى فَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ: يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَالَ (وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ شُرُوطِ نِكَاحِ الْأَمَةِ (ثُمَّ أَيْسَرَ) وَلَمْ يَنْكِحْ (أَوْ نَكَحَ حُرَّةً) بَعْدَ يَسَارِهِ (لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقُوَّةِ الدَّوَامِ وَلِهَذَا الْإِحْرَامِ الْعِدَّةُ وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ (وَلَوْ جَمَعَ مَنْ) أَيْ شَخْصٌ (لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ نِكَاحِهَا السَّابِقَةُ (حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ) كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ قَالَ لَهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَأَمَتِي قَبِلْت نِكَاحَهُمَا (بَطَلَتْ الْأَمَةُ) أَيْ نِكَاحُهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ نِكَاحِهَا فَقْدُ الْحُرَّةِ (لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ قَوْلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِعَقْدٍ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ وَزَوَّجْتُك أَمَتِي بِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْبِنْتَ ثُمَّ الْأَمَةَ، أَوْ قَبِلَ الْبِنْتَ فَقَطْ صَحَّتْ الْبِنْتُ جَزْمًا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَوْ قُدِّمَتْ الْأَمَةُ فِي تَفْصِيلِهَا إيجَابًا وَقَبُولًا صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ قَبِلَ الْحُرَّةَ بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَلَوْ فَصَّلَ الْوَلِيُّ الْإِيجَابَ وَجَمَعَ الزَّوْجُ الْقَبُولَ أَوْ عَكْسَهُ فَكَتَفْصِيلِهَا فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا لَوْ جَمَعَهُمَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْأَمَةِ قَطْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُ الْحُرَّةَ كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا. وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ: أَرْجَحُهُمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْأُخْتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا أَقْوَى، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَغَيْرَهُ فِيمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا مَنْ تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ صَحَّ نِكَاحُهُمَا وَإِلَّا فَكَالْحُرَّةِ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُخْتَيْنِ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مُسْلِمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ فِي الْمُسْلِمَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ، أَوْ خَلِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا قَطْعًا كَالْأُخْتَيْنِ. تَتِمَّةٌ: وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْحُرُّ عَرَبِيًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ لَا تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ زِنًا، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَوَلَدُهُ مِنْهَا كَالْأُمِّ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ يَكُونُ حُرًّا فَيَكُونُ حُرًّا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ.
|